سورة النور - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله: {فِي بُيُوتٍ} في هذه البيوت قولان
أحدهما: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
الثاني: أنها سائر البيوت، قاله عكرمة.
{أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} أربعة أوجه
أحدها: أن تُبْنَى، قاله مجاهد كقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} أي يبني.
الثاني: أنها تطهر من الأنجاس والمعاصي، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أن تعظم، قاله الحسن.
الرابع: أن ترفع فيها الحوائج إلى الله.
{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} فيها ثلاثة أقاويل
أحدها: يتلى فيها كتابه، قاله ابن عباس.
الثاني: تذكر فيها أسماؤه الحسنى، قاله ابن جرير.
الثالث: توحيده بأن لا إله غيره، قاله الكلبي.
وفيما يعود إليه ذكر البيوت التي أذن الله أن ترفع قولان:
أحدهما: إلى ما تقدم من قوله: كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله.
الثاني: إلى ما بعده من قوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} وفي هذا التسبيح قولان:
أحدهما: أنه تنزيه الله.
الثاني: أنه الصلاة، قاله ابن عباس والضحاك.
{بالْغَدُوِّ وَالآصَالِ} الغدو جمع غَدوة والآصال جمع أصيل وهي العشاء
{رِجالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} قال الكلبي: التجار هم الجلاب المسافرون، والباعة هم المقيمون.
{عَن ذِكْرِ اللَّهِ} فيه وجهان
أحدهما: عن ذكره بأسمائه الحسنى.
الثاني: عن الأذان، قاله يحيى بن سلام. {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارُ} فيه خمسة أوجه
أحدها: يعني تقلبها على حجر جهنم.
الثاني: تقلب أحوالها بأن تلفحها النار ثم تنضجها وتحرقها.
الثالث: أن تقلب القلوب وجيبها، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال.
الرابع: أن تقلب القلوب بلوغها الحناجر، وتقلب الأبصار الزّرَق بعد الكحل، والعمى بعد البصر.
الخامس: أن الكافر بعد البعث ينقلب قلبه على الكفر إلى الإيمان وينقلب بصره عما كان يراه غياً فيراه رشداً.
{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} فذكر الجزاء على الحسنات ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازى عليها لأمرين:
أحدهما: أنه ترغيب فاقتصر على ذكر الرغبة.
الثاني: أنه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر فكانت صغائرهم مغفورة.
{وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} يحتمل وجهين
أحدهما: ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها.
الثاني: ما يتفضل به من غير جزاء.
{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فيه أربعة أوجه
أحدها: بغير جزاء بل يسديه تفضلاً.
الثاني: غير مقدر بالكفاية حتى يزيد عليها.
الثالث: غير قليل ولا مضيق.
الرابع: غير ممنون به.
وقيل لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء فحضر عبد الله بن رواحة فقال: يا رسول الله قد أفلح من بنى المساجدا؟ قال: «نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ» قال، وصلى فيها قائماً وقاعداً قال: «نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةِ» قال: ولم يبت لله إلا ساجداً؟ قال: «نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ. كُفّ عَنِ السَّجْعِ فَمَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيئاً شَرّاً مِن طَلاَقَةِ لِسَانِهِ».


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أََعَمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بقِيعَةٍ} أما السراب فهو الذي يخيل لمن رآه في الفلاة كأنه الماء الجاري قال الشاعر:
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُهُمْ *** كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق
والآل كالسراب إلا أنه يرتفع عن الأرض في وقت الضحى حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء، وقيل: إن السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال والرقراق بعد العصر وأما القيعة فجمع قاع مثل جيرة وجار، والقاع ما انبسط من الأرض واستوى.
{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يعني العطشان يحسب السراب ماءً
{حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} وهذا مثل ضربه الله للكافر يعول على ثواب عمله فإذا قدم على الله وجد ثواب عمله بالكفر حابطاً.
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} فيه وجهان
أحدهما: وجد أمر الله عند حشره.
الثاني: وجد الله عند عرضه.
{فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} يحتمل وجهين
أحدهما: ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره.
والثاني: وجد الله عند وعيده فوفى بعذابه ويكون الحساب على الوجهين معاً محمولاً على العمل، كما قال امرؤ القيس:
فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ *** أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا
{وَاللَّهُ سَرِيع الْحِسَابِ} يحتمل وجهين
أحدهما: لأن حسابه آت وكل آت سريع.
الثاني: لأنه يحاسب جميع الخلق في وقت سريع.
قيل إن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإِسلام.
قوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} الظلمات: ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
وفي قوله لجيّ ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه البحر الواسع الذي لا يرى ساحله، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أنه البحر الكثير الموج، قاله الكلبي.
الثالث: أنه البحر العميق، وهذا قول قتادة، ولجة البحر وسطه، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ رَكِبَ البَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» يعني إذا توسطه.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يغشاه موج من فوق الموج ريح، من فوق الريح سحاب فيجمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب.
الثاني: معناه يغشاه موج من بعده فيكون المعنى الموج بعضه يتبع بعضاً حتى كأنه بعضه فوق بعض وهذا أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب، ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين:
أحدهما: أنه قد يغطي النجوم التي يهتدى بها.
الثاني: الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه.
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد الظلمات التي بدأ بذكرها وهي ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل.
الثاني: يعني بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض.
{إِذَا أخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} فيه وجهان:
أحدهما: معناه أنه رآها بعد أن كاد لا يراها، حكاه ابن عيسى.
الثاني: لم يرها ولم يكد، قاله الزجاج، وهو معنى قول الحسن.
وفي قوله لم يكد وجهان:
أحدهما: لم يطمع أن يراها.
الثاني: لم يرها ويكاد صلة زائدة في الكلام.
{ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهَ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} فيه وجهان
أحدهما: ومن لم يجعل الله له سبيلاً إلى النجاة في الآخرة فما له من سبيل إليها حكاه ابن عيسى.
الثاني: ومن لم يهده الله للإِسلام لم يهتد إليه، قاله الزجاج.
وقال بعض أصحاب الخواطر وجهاً ثالثاً: ومن لم يجعل الله نوراً له في وقت القسمة فما له من نور في وقت الخلقة.
ويحتمل رابعاً: ومن لم يجعل الله له قبولاً في القلوب لم تقبله القلوب.
وهذا المثل ضربه الله للكافر، فالظمات ظلمة الشرك وظلمة الليل وظلمة المعاصي، والبحر اللجي قلب الكافر، يغشاه من فوقه عذاب الدنيا، فوقه عذاب الآخرة.


قوله تعالى: {وَالطَّيْرُ صَآفَاتٍ} أي مصطفة الأجنحة في الهواء
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الصلاة للإِنسان والتسبيح لما سواه من سائر الخلق، قاله مجاهد.
الثاني: أن هذا في الطير وإن ضرب أجنحتها صلاة وأن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش.
الثالث: أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، قاله سفيان. ثم فيه قولان:
أحدهما: أن كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه.
الثاني: أن الله قد علم صلاته وتسبيحه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9